الرجاء إكمال المقال للأخير لأنه من التفكر في خلق الله
حول العالم
أين اختفت النحلة !؟
فهد عامر الأحمدي
قبل أن أخبركم أين اختفت النحلة دعوني آخذكم أولا في جولة سياحية إلى مصيف جبلي مرتفع يدعى الفقرة (بكسر الفاء) .. وهي منطقة تبعد عن المدينة المنورة ب 80 كيلومترا وتتميز بكثرة العسل الطبيعي (أو هكذا كانت) وبرودة جوها صيفا وشتاء (بفضل ارتفاعها 1800 متر عن سطح البحر)..
وحتى وقت قريب كانت جبال الفِقرة مشهورة بكثرة العسل وتنوع المخلوقات وجودة النخيل لدرجة كان يثمر ثلاث مرات في العام . وحين نشبت الحرب بين الشريف عبدالمطلب وقبيلة الاحامدة (في القرن الثالث عشر الهجري) احتمى هؤلاء بديرتهم المعروفة بحصانتها ووعورة طرقها . وبعد أن عجز عنهم بنى ثكنات لجيشه أسفل الجبال وحاصرهم لسنين . وبدل الاستسلام بدأ الأحامدة يرسلون اليه كميات كبيرة من التمور والعسل حتى يئس منهم وفك الحصار (ونفس القصة تكررت لاحقا مع الجيش التركي الذي هزم في نفس المنطقة بفضل اكتفائها الذاتي) ...
أما اليوم فاختفى النحل بصورة نهائية من معظم المناحل الجبلية (وأقول هذا عن واقع خبرة حيث مايزال والدي يملك مجموعة ورثها أبا عن جد) . وحين تزور المدينة اليوم ويحاول أحدهم بيعك بعض العسل بحجة أنه من جبال الفقرة فلا يجب أن تصدقه وتذكر بأن 90% من المناحل الجبلية فيها أصبحت خاوية على عروشها (رغم عملها لآلاف السنين ككهوف تفيض عسلا حارقا يستعمل من جودته كدواء) !!
وماحصل في هذه المنطقة مجرد نموذج على اختفاء النحل من مناطق ودول كثيرة حول العالم .. صحيح أن هناك من يعيد اختفاء النحل إلى الجفاف وقلة الأمطار ، ولكن نسبة كبيرة من النحل اختفت أيضا من لبنان وتركيا وفرنسا واستراليا وأمريكا وكندا.. ففي لبنان وتركيا مثلا اختفى 55% من النحل منذ عقد التسعينيات، وفي أمريكا اختفى 35% منذ عام 2000 فقط (بل وصلت النسبة الى 90% في بعض الولايات الشرقية)، أما في كندا وبولندا وفرنسا فانخفض انتاج المناحل الطبيعية بنسبة 35 إلى45% في آخر عقدين فقط .....
ورغم تسليم الخبراء بإمكانية انهيار20% من مستعمرات النحل (في ظاهرة طبيعية يمكن تعويضها تدعى Colony collapse disorder) إلا أن حالات الاختفاء التي شهدها العالم مؤخرا لا تقارن من حيث الضخامة والشمولية والسرعة ولا تتضمن احتمال التعويض أو إعادة تعمير الخلية ...
وهذه الظاهرة الغريبة استدعت طرح فرضيات كثيرة لم يثبت أي منها حتى الآن .. فمن اتهام أبراج الجوال والاحتباس الحراري والتغير المناخي إلى فيروس الشلل والمبيدات الحشرية والأسمدة الصناعية وجميعها قد تؤثر في الجهاز العصبي للنحلة أو تسممها عبر رحيق الأزهار !!
... والمشكلة في اختفاء النحلة أعظم من اختفاء زجاجات العسل من أرفف المتاجر ؛ فالنحلة بالذات مسؤولة عن تلقيح 75% من نباتات العالم المثمرة وأكثر من 130 محصولا رئيسيا للبشر وفي حال اختفائها لن يتاح لنا غير زراعة محاصيل قليلة كالأرز والذرة والبطاطس...
فحين تطير من زهرة لزهرة تلتصق بها حبوب اللقاح فتلقح به نباتات بعيدة وتساهم في ظهور نباتات جديدة . وهناك احصائية تشير الى ان الدخل الذي يقدمه النحل من تلقيح الأشجار يفوق بثمانين ضعفا الدخل الذي يقدمه من إنتاج العسل . وفي الدول المتقدمة توجد شركات تحقق أرباحها من نقل خلايا النحل إلى المزارع الخاصة لتلقيح النباتات والأشجار المثمرة (بل تستورد ولاية كاليفورنيا أكثر من مليوني نحلة سنويا تطلقها مجانا لرفع نسبة المحاصيل) !!
وهكذا لا نبالغ إن قلنا إن اختفاء النحلة سيتبعه اختفاء النباتات والأشجار المغذية ومن بعدها الحيوانات التي تأكل منها وبالتالي انخفاض طعام الإنسان بشكل كبير يهدد وجوده على كوكب الأرض !!
... والعجيب أن ألبرت اينشتاين قال قبل خمسين عاما: "إذا اختفى النحل من كوكب الأرض فلن يبقى للإنسان إلا سنوات قليلة للاختفاء بعده" .. وأنا أتفق معه تماما لأن هذا ما حصل فعلا في "الفقرة" حيث ماتت الأشجار ، واختفت النباتات، ونفقت الحيوانات، وهاجر الناس من المنطقة !!
سبحان الله
حول العالم
أين اختفت النحلة !؟
فهد عامر الأحمدي
قبل أن أخبركم أين اختفت النحلة دعوني آخذكم أولا في جولة سياحية إلى مصيف جبلي مرتفع يدعى الفقرة (بكسر الفاء) .. وهي منطقة تبعد عن المدينة المنورة ب 80 كيلومترا وتتميز بكثرة العسل الطبيعي (أو هكذا كانت) وبرودة جوها صيفا وشتاء (بفضل ارتفاعها 1800 متر عن سطح البحر)..
وحتى وقت قريب كانت جبال الفِقرة مشهورة بكثرة العسل وتنوع المخلوقات وجودة النخيل لدرجة كان يثمر ثلاث مرات في العام . وحين نشبت الحرب بين الشريف عبدالمطلب وقبيلة الاحامدة (في القرن الثالث عشر الهجري) احتمى هؤلاء بديرتهم المعروفة بحصانتها ووعورة طرقها . وبعد أن عجز عنهم بنى ثكنات لجيشه أسفل الجبال وحاصرهم لسنين . وبدل الاستسلام بدأ الأحامدة يرسلون اليه كميات كبيرة من التمور والعسل حتى يئس منهم وفك الحصار (ونفس القصة تكررت لاحقا مع الجيش التركي الذي هزم في نفس المنطقة بفضل اكتفائها الذاتي) ...
أما اليوم فاختفى النحل بصورة نهائية من معظم المناحل الجبلية (وأقول هذا عن واقع خبرة حيث مايزال والدي يملك مجموعة ورثها أبا عن جد) . وحين تزور المدينة اليوم ويحاول أحدهم بيعك بعض العسل بحجة أنه من جبال الفقرة فلا يجب أن تصدقه وتذكر بأن 90% من المناحل الجبلية فيها أصبحت خاوية على عروشها (رغم عملها لآلاف السنين ككهوف تفيض عسلا حارقا يستعمل من جودته كدواء) !!
وماحصل في هذه المنطقة مجرد نموذج على اختفاء النحل من مناطق ودول كثيرة حول العالم .. صحيح أن هناك من يعيد اختفاء النحل إلى الجفاف وقلة الأمطار ، ولكن نسبة كبيرة من النحل اختفت أيضا من لبنان وتركيا وفرنسا واستراليا وأمريكا وكندا.. ففي لبنان وتركيا مثلا اختفى 55% من النحل منذ عقد التسعينيات، وفي أمريكا اختفى 35% منذ عام 2000 فقط (بل وصلت النسبة الى 90% في بعض الولايات الشرقية)، أما في كندا وبولندا وفرنسا فانخفض انتاج المناحل الطبيعية بنسبة 35 إلى45% في آخر عقدين فقط .....
ورغم تسليم الخبراء بإمكانية انهيار20% من مستعمرات النحل (في ظاهرة طبيعية يمكن تعويضها تدعى Colony collapse disorder) إلا أن حالات الاختفاء التي شهدها العالم مؤخرا لا تقارن من حيث الضخامة والشمولية والسرعة ولا تتضمن احتمال التعويض أو إعادة تعمير الخلية ...
وهذه الظاهرة الغريبة استدعت طرح فرضيات كثيرة لم يثبت أي منها حتى الآن .. فمن اتهام أبراج الجوال والاحتباس الحراري والتغير المناخي إلى فيروس الشلل والمبيدات الحشرية والأسمدة الصناعية وجميعها قد تؤثر في الجهاز العصبي للنحلة أو تسممها عبر رحيق الأزهار !!
... والمشكلة في اختفاء النحلة أعظم من اختفاء زجاجات العسل من أرفف المتاجر ؛ فالنحلة بالذات مسؤولة عن تلقيح 75% من نباتات العالم المثمرة وأكثر من 130 محصولا رئيسيا للبشر وفي حال اختفائها لن يتاح لنا غير زراعة محاصيل قليلة كالأرز والذرة والبطاطس...
فحين تطير من زهرة لزهرة تلتصق بها حبوب اللقاح فتلقح به نباتات بعيدة وتساهم في ظهور نباتات جديدة . وهناك احصائية تشير الى ان الدخل الذي يقدمه النحل من تلقيح الأشجار يفوق بثمانين ضعفا الدخل الذي يقدمه من إنتاج العسل . وفي الدول المتقدمة توجد شركات تحقق أرباحها من نقل خلايا النحل إلى المزارع الخاصة لتلقيح النباتات والأشجار المثمرة (بل تستورد ولاية كاليفورنيا أكثر من مليوني نحلة سنويا تطلقها مجانا لرفع نسبة المحاصيل) !!
وهكذا لا نبالغ إن قلنا إن اختفاء النحلة سيتبعه اختفاء النباتات والأشجار المغذية ومن بعدها الحيوانات التي تأكل منها وبالتالي انخفاض طعام الإنسان بشكل كبير يهدد وجوده على كوكب الأرض !!
... والعجيب أن ألبرت اينشتاين قال قبل خمسين عاما: "إذا اختفى النحل من كوكب الأرض فلن يبقى للإنسان إلا سنوات قليلة للاختفاء بعده" .. وأنا أتفق معه تماما لأن هذا ما حصل فعلا في "الفقرة" حيث ماتت الأشجار ، واختفت النباتات، ونفقت الحيوانات، وهاجر الناس من المنطقة !!
سبحان الله